شخصيات من ذهب (شيخ الكار)
أم ياسين الفراوي: وهي من بلدة دربل ومن مواليد عام 1931م وقد حافظت على صناعة القش اليدوي في دمشق , مصنفة في حرف دمشقية
قبل 25 عاماً قررت أم ياسين الفراوي، المرأة الريفية القادمة من جبل الشيخ جنوب العاصمة السورية دمشق ، اقتحام سوق المهن اليدوية الذي أسسته وزارة السياحة السورية قبل عشرات السنين في قسم مبنى التكية السليمانية التاريخي وسط دمشق مقراً له ليحافظ على حرفيي دمشق اليدويين وحماية مهنهم التراثية من الانقراض وإشراكهم في مهرجاناتها ومعارضها السياحية المحلية والخارجية. وأم ياسين التي تجاوز عمرهاحالياً الثمانين جاءت ومعها مهنة يدوية تراثية ريفية وهي صناعة أطباق وسلال القش من مخلفات القمح، والذي كان الأجداد والأسر القديمة يعتبرونه ضرورة لا بد منها لموائد الطعام ووضع المؤن الغذائية من برغل وخبز وغيرها ومن مستلزمات المطبخ الأساسية. أرادت ام ياسين أن تحجز لها مكاناً في السوق الذي اتسع لحوالي مائة حرفي دمشقي، وبالفعل تمكنت من الحصول على دكان صغير في نهاية السوق، وكانت المرأة الوحيدة التي عملت في مهنة يدوية إلى جانب مئات الحرفيين الموجودين في السوق، الذين راهنوا على أن أم ياسين لن تستمر أكثر من أشهر قليلة وتترك الدكان والسوق والمهنة وتعود لقريتها الجبلية لتعمل هناك أطباق القش لأهل قريتها فقط، ولكن إصرار ام ياسين أدى إلى كسبها الرهان، إذ استمرت وما زالت منذ ربع قرن في عملها اليدوي في السوق. وهي على الرغم من كبر سنها مع بلوغها أعتاب الثمانين، إلاّ أنها تأبى أن تترك هذه المهنة اليدوية بل تسعى للمحافظة عليها رغم منافسة الأطباق الصناعية المعدنية والخشبية وغيرها لمنتجاتها اليدوية من القش. وفي محل ام ياسين بسوق المهن اليدوي الدمشقي، الذي تحول إلى أشبه ما يكون بمعرض ومتحف لمنتجات ام ياسين في محلهابسوق المهن اليدوية بدمشق القش من أطباق وسلال وصوان ونماذج متنوعة بألوان زاهية براقة، قالت أم ياسين عن سر استمرارها في العمل الحرفي رغم المراهنات الكثيرة على عدم استمراريتها فيه: »منذ استثماري لدكان في سوق المهن اليدوية حاولت أن أتفرغ فقط لحرفتي الريفية، وهي تحويل قش القمح المتبقي من حصاد القمح إلى أوان وأطباق، وهي هواية ورثتها عن والدتي، ومعروف أن العديد من نساء الأرياف السورية يعملن بها ولكن بشكل محدود)مثل الخياطة والتطريز والصوف( فهي تعتبر تسلية وملبية لحاجة الأسرة وخاصة المطبخ وأدوات الطعام لوضع صحون الطعام والخبز عليها حيث تشكل ما يشبه طاولة السفرة حالياً ولكن على الأرض!.. وقررت منذ انتقالي إلى السوق أن أطور في هذه المهنة الهواية من خلال ابتكار أشكال جديدة من القش، وعملت في هذه الحرفة بشكل مباشر وحي أمام زوار السوق، ولم اكتف فقط بعرض ما أصنعه في زوايا المحل وواجهته، وكان هذا أحد أسباب استمراري فيها والإقبال الكبير من الزوار على مشاهدتي وأنا اعمل في تحويل قش القمح اليابس وبشكل فني ماهر تعلمته من والدتي ومن نساء قريتنا وجذبت بذلك بشكل خاص انتباه السياح وخاصة الأوروبيين منهم والذين التقطوا لي الصور الكثيرة وأجروا العديد من اللقاءات الإعلامية معي فأصبحت معروفة لدى الكثير من الأوروبيين وخاصة في اسبانيا حيث يوصون من يأتي لدمشق من السياح بزيارتي في السوق والسر في ذلك أنني كنت ألبي طلبات السياح بتصنيع نماذج خاصة لهم من أطباق القش حيث اعتبروها لوحات فنية إبداعية تراثية يتباهون بها أمام أصدقائهم عندما يعودون لبلدانهم، فمثلاً بعضهم يطلب مني أن أصنع له طبقا من القش وأكتب عليه اسمه واسم خطيبته أو زوجته أو عبارات أخرى مثل »عيد سعيد« وحتى وحسب طلب البعض منهم صنعت أكواخا صغيرة جميلة للعرض، وبالفعل استطعت أن أقوم بهذا العمل رغم وحاجته لوقت وجهد أكبر من العمل العادي، ولكن اعتبرته من باب تطوير هذه الحرفة اليدوية والمحافظة عليها من الانقراض خاصة مع انتشار أطباق البلاستيك والنايلون والستانليس ستيل والألمنيوم وغيرها رغم أنها تؤثر بشكل كبير على منتجات القش اليدوية بسبب رخص أسعارها ولكن مازال لدينا الكثير من الزبائن حتى من سكان المدن والقرى السورية، فهؤلاء يفضلون منتجات القش على تلك المنتجات الصناعية كون أن القش مادة طبيعية وصحية وبيئية بينما البلاستيك ضار، وكذلك العديد من زبائننا هم من عشاق التراث أو ممن لديهم صالونات واسعة في منازلهم أو من الأثرياء الذين يرغبون بشراء منتجات القش لتزيين صالوناتهم بها باعتبارها لوحات فنية فلكلورية مكملة لديكور المنزل .
(الصورة التقطها سائح امركي زار الشام بتاريخ 6 ايار 1956م ) و قد كانوا يشترونها حتى ولو كانت مرتفعة الثمن قياساً بأسعار مثيلاتها البلاستيكية والمعدنية، والبعض من الزبائن يقول لي إنه يستمتع بوضع الخبز في أطباق القش المخصصة لذلك فهي تذكره بحياة القرية والأجداد، كما يعتبرها مفيدة صحياً كونها تتحمل الحرارة المرتفعة والبرودة بدون أي تأثير على صحة الإنسان بعكس المواد البلاستيكية
وقد قاربت الثمانين وأمنيتها العمل لآخر لحظة في حياتها..أم ياسين أبهرت رواد مصنوعاتها من القش بتشكيلاتها الفني ،لم تقف سنوات عمرها الثمانين حائلاً بينها وبين العمل، فهي كانت ولاتزال حتى الآن تتميز بنشاطها وحبها لعملها.. ذلك العمل الذي جعل منها سفيرة لقريتها ومن ثم سفيرة لبلدها سورية.. التي غيرت بصبرها وإرادتها ظروف أسرتها وكانت خير معين وشريك لزوجها..بشغف وحب شديد تحدثت أم ياسين أيضا عن مهنتها وبداياتها تقول: إن ظروف الحياة الصعبة هي ما جعلتني أفكر في العمل، واتجهت نحو صناعة أطباق وأدوات جميلة من قش القمح.. فهي صناعة تؤمن مردوداً مادياً يساعد في مصاريف الأسرة من جهة.. كما أنها مسلية وتملأ وقت الفراغ من جهة ثانية ولاسيما أننا نعيش في قرية باردة في سفوح جبل الشيخ وشتاؤنا كما هو معروف طويل نوعاً ما..وتضيف: لقد كنا ننتقي القش من البيادر فنختار منه ما يتناسب مع عملنا ويكون مطواعاً بين أيدينا. فللقش أنواع كثيرة، ولكن أفضلها السلموني.. وبعد تجهيزه نبدأ بصناعة القطعة التي نريد وتحديد الرسوم التي سننقشها عليها.. لم أكن تقليدية في عملي، فقد كنت دائماً أتميزبالأشكال التي أتخيلها وأنفذها على القش، فهناك شيء ما في داخلي كان يدفعني لتطوير عملي والتفنن به.. فهذه صناعة فنية وهي تحتاج لخيال واسع ولصبر طويل ولعدم الشعور بالملل أو الكلل منها.. وهذه صفات كنت أمتلكها وهي التي شجعتني لافتتاح ورشة قش في المنزل، ومن خلال أعمال هذه الورشة وتشجيع وزارة السياحة وإدارة المعارض شاركت بمعرض دمشق الدولي عشرين دورة متتالية، ولم أنقطع عنالمشاركة، وبالطبع لم يكن الهدف من المشاركة مادياً بقدر ما كان معنوياً وفيه تعبير عن محبتي ورغبتي في عرض صناعاتنا السورية التراثية أمام الزوار الذين كانوا يبدون إعجابهم وتقديرهم لما نقدم من قطع فنية متميزة.. بعد ذلك –والكلام لأم ياسين- طُلب مني أن أعمل هنا في سوق المهن اليدوية، وبالفعل أخذت محلاً وبدأت بصناعةالقش وعرض المصنوعات الجميلة التي تميز هذه المهنة التراثية التي يجب علينا المحافظة عليها وحمايتها كصناعة ومهنة تاريخية ريفية تجذب الزوار والوفود السياحية من ناحية وتؤمن فرصة عمل للنساء الريفيات من ناحية أخرى. وتتابع أم ياسين تفاصيل قصة نجاحها قائلة: لم تقف طموحاتي عند هذا الحد بل سافرت مع زوجي إلى الإمارات، وهناك كنت أخبز على الصاج مساء.. وأعمل في صناعة القش نهاراً.. وكم كانت فرحتي كبيرة عندما كانوا يشيرون بأيديهم نحوي ويقولون إنها سورية متميزة، فلقد أدهشهم وأثار استغرابهم أنني وعلى الرغم من أميتي كنت أخط الكتابة على القش وأرسمها بشكل دقيق ومميز..
بعد ذلك سافرنا إلى الكويت ودبي وأبو ظبي واسبانيا وتركيا، وعرضت مصنوعاتي الفنية وغيرت ظروف حياتي وحياة أسرتي من خلال هذه المهنة التي أصررت على تعليمها لأولادي، والحمد للـه هم الآن متميزون وناجحون فيها.. فهي مهنة جيدة ومردودها ممتاز إذا ما سوقت بطريقة مميزة وكان لها أسواق عرض جاذبة. وشاركت أم ياسين في عدة معارض الداخلية منها ( تدمر ، دورة البحر المتوسط ، طرطوس ، الشيرتون ، خان دنون ، خان اسعد باشا ) والخارجية ( دبي ،أبو ظبي ،سلطنة عمان، الكويت ،تركيا ،ايطاليا ميلانو ، اسبانيا) وبعد أن تتنهد أم ياسين وتستعيد ذكريات الثمانين عاماً قالت: الحمد لله لقد أديت رسالتي تجاه أسرتي ووطني.. وأتمنى من كل امرأة وزوجة ألا تهتم بالمظاهر فقط وتعمل كل ما في وسعها من أجل الخير لبيتها ووطنها، وتبذل المزيد، فالعمل يعطيها النشاط والقوة ويحقق لها النجاح الذي تتمناه.. فمهما كان مشروعها صغيراً لابد أن تعم فوائده عليها وعلى مجتمعها..
لم تكن-فضة فراوي- أقل قيمة من إسمها بل فاقته بمراحل كثيرة وكانت جوهرة سيخلدها تاريخ قريتنا مهما مرت الأيام.
وفي عام 2017 قام وزير السياحة واتحاد الحرفيين مشكورين بمنحها شهادة شيخ الكار .
توفيت بتاريخ 31/12/2019
صفحة : قرية دربل
17/2/2018




هل تشرق الشمس إلا في دربل ؟ وهل يطل القمر إلا من وراء جبالها؟ تلك كانت افتتاحية روايتي الطويلة "الحزن العميق" وكان فيها فصل طويل اسمه "دربل" والتي بدأت كتابتها في دربل عندما كنت المعلم الوحيد فيها ثم انضم إلي معلمين آخرين أذكر منهم خليل بشارة وعيسى بشارة عام 1961 و 1962
ردحذفلي في دربل ذكريات كبيرة وأصدقاء كثيرون أذكر منهم المختار رشراش والمختار الثاني وكذلك أبو محمد سعادات وهم ابو محمود العقيد في الجيش وعلي وكذلك أذكر صداقتي مع أبي صياح الذي لم يكن يتركني هو وأبناؤه صياح وحرب وأذكر عوت دحبور وأيمن زيدان وعيرهم كثيرون ظلو إلى وقت طويل بعد مغادرتي يتصلون بي إلا أنني لسفري الطويل فقدت الصلة معهم
دربل بقيت وستبقى في الذاكرة باقية لصدق أهلها ومحبتهم وقد بلغت الثمانين من عمري وأنا أذكر حسن ضيافتهم أثناء فترة بقائي فيها. أحيي من يذكرني وأتمنى لأولادهم أن يتابعوا دراساتهم لتتقدم دربل لكم محبتي وتمنياتي بالتوفيق.. أحمد بن خالد الأيوبي
على الفيس ahmad khaled alayoubi